عدن لايف – العين الإخبارية
لم توقف المحادثات المستمرة بين الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع”، بمدينة جدة السعودية، صوت الرصاص، وتناثر الجثث بشوارع الخرطوم، وسط مشهد اقتصادي وإنساني معقد.
وفي 6 مايو/أيار الجاري، بدأت المحادثات الأولية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وممثلي قوات الدعم السريع في مدينة جدة، بتيسير من الولايات المتحدة والسعودية.
وساهم التنسيق السعودي الأمريكي، في إقرار أكثر من هدنة بالسودان، شهدت “خروقات”، وفق اتهامات متبادلة عن المسؤولية عن ذلك.
ضغوط دولية وإقليمية
ويقول المحلل السياسي، أمير بابكر، إن “مفاوضات جدة انطلقت بعد ضغوط دولية وإقليمية كبيرة لحث الطرفين على الجلوس لبحث وقف إطلاق نار دائم”.
وأضاف: “اتضح ذلك من التمثيل عال المستوى سواء من الجانب السعودي الذي يستضيف المفاوضات أو الجانب الأمريكي الطرف الآخر في المبادرة وكذلك التمثيل الدولي والأفريقي، أن الجميع عازمون على الوصول إلى أهداف محددة ومتدرجة تبدأ بوقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات المتحاربة بما يضمن خروجها من المواقع السكنية ومواقع الخدمات الحيوية”.
وأوضح بابكر في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن “نجاح هذه الخطوة سيمكن من فتح ممرات إنسانية لتعمل المنظمات الإقليمية والدولية لتوصيل الإغاثة للمحتاجين والمتضررين من المدنيين سواء النازحين إلى الولايات أو الذين لا يزالوا عالقين في الخرطوم ومناطق النزاع الأخرى.”
وأضاف: “تصريحات الخارجية الأمريكية توضح مدى الاهتمام الأمريكي بالوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وظهر ذلك جليا في الإحاطة التي قدمتها مساعدة وزير الخارجية الأمريكي أمام مجلس الشيوخ أمس”.
وتابع: “مما بدا من المفاوضات التركيز على الجانب الإنساني بشكل خاص دون الإفصاح عن أجندة أخرى تشملها المفاوضات، ولكن الوصول إلى فتح ممرات آمنة لوصول المعونات والإغاثة في الخرطوم يعني بالضرورة الوصول إلى تفاهمات بشأن الوضع العسكري على الأرض واتفاق على وقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات”.
شروط التفاوض
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، “وفقا للتمثيل الدبلوماسي الأمريكي المتواضع في مفاوضات جدة، وسقف الشروط المرفوع من الطرفين وعدم وجود كروت ضغط قوية ومؤثرة من قبل السعودية لا أتوقع أن تفضي مفاوضات مدينة جدة السعودية إلى حل طويل الأمد”.
وأشار الأسباط في حديثه لـ”العين الإخبارية”، إلى أن “المفاوضات قد تقود إلى هدنة قصيرة لإيصال المساعدات الإنسانية وإجلاء ما تبقى من الرعايا الأجانب ونقل المصابين لتلقي العلاج بالخارج”.
وتابع: “ربما هدنة لمدة أسبوعين أو شهر، لكن لا أتوقع وجود ترتيبات حقيقية لوقف إطلاق النار لأن المسألة تتطلب وجود آلية للرقابة والتحقق لوقف إطلاق النار وخرط لمسارات الإغاثة والمواد الطبية والغذائية وحركة المدنيين”.
وأضاف: “أعتقد أن تفويض المتفاوضين من الجيش السوداني والدعم السريع سقفه أدنى بكثير من هذه التوقعات”.
الحرب الصفرية
بدوره، يقول المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ: “في تقديري أن كلا الطرفين يتعرضان لضغوط إقليمية ودولية، ويمثل أكبر عامل ضغط قرارات الرئيس الأمريكي جو بايدن بفرض عقوبات شخصية على الأطراف المتورطة في استمرار الحرب”.
وأوضح أبو الجوخ في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أنه “على المستوى العسكري فإن حالة عدم الحسم واستمرار الكر والفر بين الطرفين دون تغيير كبير على الأرض منذ نهاية الأسبوع الأول يمثل عاملا إضافيا لإجبار الطرفين على إنهاء الحرب الصفرية”.
وأضاف: “هناك عوامل ضغط إضافية ذاتية للطرفين باعتبار أن كليهما لم يحتاط بامتداد العمليات ودخولها أسبوعها الرابع بجانب عوامل ضغط شعبية بسبب النقص الكبير في الخدمات الأساسية وتفاقم معاناة المواطنين في الكهرباء والمياه والغذاء والوقود وتسبب الحرب في انعدام الأمن وتدهور الخدمات الصحية”.
واستطرد: “بشكل عام هناك كارثة إنسانية متفاقمة بشكل غير مسبوق يزيد من وقعها أن أكثر من 90 من الصناعات الغذائية والدوائية والتحويلية التي يتم إمداد الولايات منها هي بالخرطوم والتي تأثرت وتضررت بشكل كبير”.
وتابع: “في الوقت الحالي الذي يزيد الضغط على الطرفين هو ارتفاع الأصوات الشعبية الداعية لإيقاف الحرب بعدما جرب واختبر الناس أهوالها وفيما عدا النظام البائد، وحزب البشير المحلول، والحانقين على الدعم السريع بسبب المخاوف من تكوينه القبلي غير النظامي، أو للاتهامات الموجه له بفض الاعتصام وبعض الطامحين، فإن الأصوات التي تطالب باستمرار الحرب وبناء علي نتائجها تشهد انحسارا كبيرا في الوقت الحالي في مقابل ارتفاع الأصوات الداعية بوقفها”.
وزاد: “جميع تلك المعطيات تمثل عناصر الضغط الأساسية التي ستقود الطرفين لإبرام اتفاق وفتح ممرات إنسانية مع استصحاب عناصر ضعف الهدن السابقة الفاشلة بين الطرفين بإقرار آلية رقابة لكن في تقديري أن الطرفين يتنازعان في مسألة تواجد وانتشار قوات كل طرف منهما وهو ما يمكن أن ينتج معارك عنيفة بينهما كما حدث في بحري يوم أمس بغرض تحسين الأوضاع قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ”.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي عطاف محمد مختار، إن “الولايات المتحدة دفعت بوساطة تقودها السعودية وبعض الدول الأخرى، وواضح أن الولايات المتحدة تعرف حجم النفوذ السعودي في السودان”.
وأشار مختار في حديثه لـ”العين الإخبارية”، “السعودية ترى السودان عمقا استراتيجيا حقيقيا خاصا بالنسبة إلى موانئ التصدير على ساحل البحر الأحمر”.
وأضاف: “الولايات المتحدة لن تسمح بأي انهيار في السودان. أمريكا قاتلت لمنع سقوط رئيس الوزراء الإثيوبي في أديس أبابا وضغطت بكل السبل وحيدَّت كل الأطراف الأخرى ودفعت الأطراف المتحاربة للوصول إلى توقيع اتفاق سلام”.
وتابع: “المبادرة الأمريكية السعودية ستذهب إلى الأمام، ونتمنى أن تتوقف الحرب وتحقن الدماء في السودان”.
الوضع الميداني
ورغم الهدنة المعلنة والتقيد بشروطها بين الطرفين تجددت الاشتباكات بين الأطراف المتصارعة في العاصمة الخرطوم، ومدينة بحري، ما أدى إلى تعقيد المشهد الإنساني على أرض الواقع.
وأبلغ شهود عيان “العين الإخبارية” بتحليق للطائرات الحربية وسماع دوي انفجار قوي وأصوات أسلحة ثقيلة في مناطق حيوية بالعاصمة الخرطوم وأحياء بمدن بحري وأم درمان.
وذكر الشهود، أن أعمدة الدخان تصاعدت من وسط الخرطوم بكثافة، كما سمع دوي انفجارات واشتباكات مسلحة في الشوارع.
وذكر الجيش السوداني في بيان: “تلاحظ لجوء قوات الدعم السريع لاستخدام الدراجات البخارية بطريقة مكثفة في تحركاتهم وعلى متنها أشخاص يرتدون أزياء مدنية مما يجعلها أهدافا مشروعة للتعامل معها بواسطة قواتنا”.
وأضاف: “ننوه إلى مواطنينا بعدم استخدام الدراجات البخارية مؤقتا لحين انتهاء العمليات حفاظا على أرواحهم”.
من جهتها، ذكرت قوات الدعم السريع، في بيان، أنه “وفي محاولة فاشلة جديدة، بدأت قوات الانقلاب- بحسب وصفها- عمليات تجنيد وعمليات تسليح عشوائي للمواطنين ومنسوبي كتائب الظل وقوى الظلام، ونؤكد أن أعيننا مفتوحة لأي تحركات من هذه المجموعات المتطرفة والتعامل معها بالحسم اللازم”.
وأضافت: “نتعامل بالحكمة اللازمة مع مجموعات الخراب الداعية لممارسة النهج الإرهابي المحبب لدى الجماعة المتطرفة بحرق الخرطوم والمواقع الحيوية كالقصر الجمهوري والمستشفيات والجسور الرابطة بين مدن العاصمة والإذاعة والتلفزيون والمطار في سلوك لا يمت للإنسانية بصلة ولا بأخلاق السودانيين الشرفاء”.
الوضع الإنساني
وأفرزت المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” أوضاعا إنسانية بالغة التعقيد على الأرض.
ولا يزال سكان العاصمة الخرطوم يعيشون حالة الهلع والخوف في ظل الانقطاع الدائم لخدمات الكهرباء والمياه والإنترنت، وشح المواد الغذائية والأدوية والتردي البيئي بسبب الجثث المكدسة والمتعفنة في الشوارع.
وأفاد شهود عيان “العين الإخبارية”، بانتشار مئات الجثث المتحللة في شوارع العاصمة الخرطوم دون دفنها.
وحسب الشهود، فإن الجثث انتفخت وتعفنت وتآكلت من أطرافها بسبب النهش المستمر للكلاب الضالة في الشوارع.
كما رصدت “العين الإخبارية”، طوابير طويلة أمام المخابز لشراء الخبز، بسبب انقطاع التيار الكهربائي والإمداد الضعيف للدقيق بسبب القصف العشوائي للطيران الحربي لمطاحن القمح.
ويقول المواطن أبو عبيدة عبد الله: “أقف لمدة 6 ساعات يوميا أمام المحل لشراء الخبز لأبنائي بسبب شح الدقيق والتيار الكهربائي المتقطع”.
وأضاف عبد الله في حديثه لـ”العين الإخبارية”: “الوضع المعيشي معقد للغاية، وأتمنى وقف الحرب لنعود إلى حياتنا الطبيعية”.
ومنذ 15 أبريل/نيسان الماضي، تشهد ولايات بالسودان اشتباكات واسعة بين الجيش، وقوات “الدعم السريع”، يتبادل فيها الجانبان الاتهامات بالمسؤولية عن اندلاعها عقب توجه قوات تابعة لكل منهما للسيطرة على مراكز تابعة للآخر.
وأدى القتال المندلع بين الجانبين إلى وقوع مئات القتلى والمصابين بين المدنيين، كما تسبب في حدوث كارثة إنسانية مستمرة ونزوح عشرات الآلاف، إلى جانب تحذيرات من انهيار النظام الصحي بسبب استمرار الاشتباكات رغم عدة هدنات معلنة بمبادرات سعودية أمريكية